في إحدى القرى النائية، بالتحديد قرية داغ كندي في محافظة أذربيجان في إيران، تنطلق رحلة معلم إيراني حيث يسير هذا الشاب وثمانية طلاب قرابة 3 ساعات يومياً ذهاباً وإياباً وسط الجبال والثلوج وخطر مواجهة الذئاب من أجل الوصول إلى مدرستهم الابتدائية التي لا يختلف وضعها السيئ كثيراً عن وضع قريتهم.
في تلك القرية التي تقع في جبال باباكندي كل وسائل الحياة صفر، حتى درجات الحرارة، ولكن مازال أطفال القرية بصحبة معلمهم يريدون الحياة والتعلم، محمد صادقي، معلم شاب يبلغ من العمر 30 عاماً، حاصل على درجة الماجستير في اللغة الإنجليزية من جامعة آزاد الإسلامية إحدى أكبر الجامعات الإيرانية، ويتقن اللغات العربية، والتركية، والألمانية. قرر صادقي أن ينقل علمه إلى أطفال قريته والقرى الثلاث المحيطة، في وقت رفض فيه كل المعلمين بلا استثناء الذهاب إلى هناك لتعليم الأطفال. يستيقظ صادقي كل يوم في الرابعة فجراً هو وتلاميذه ، ليشق طريقه وسط الجبال الثلجية ويعبر الأنهار الجليدية ويحاول أن يتجنب الذئاب والحيوانات البرية ليصلوا إلى أقرب مدرسة ابتدائية لقريتهم. انتشرت صور لها على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يحاول أن يزيح الثلوج من على الطريق؛ لكي يتمكن التلاميذ من الذهاب إلى المدرسة، ولقبه الإيرانيون بالمعلم المحب المناضل.
.jpg "صورة رقم 1 - قصة معاناة معلم يمشي ساعات يومياً في الثلوج للوصول للمدرسة مع طلابه")
"لا معنى للتعب، لابد أن يتعلم هؤلاء الأطفال فالجهل هو عدوهم الأساسي"، يقول صادقي في حواره مع وكالة فارس الإيرانية، إن تلك القرية محرومة من كل شيء، ومن كل متع الحياة، ولكن لا يمكن أن يظل الأطفال بها بلا تعليم. يروي صادقي المصاعب التي يواجهها يومياً في رحلته التي أطلق عليها اسم رحلة الحب والتعلم، فيقول: في بعض الأحيان يصل الجليد إلى منتصفي ولا تستطيع قدماي مواصلة السير، ولكن إرادتي أقوى من كل شيء. يقول صادقي إنه المعلم الوحيد لثلاث قرى وإنه فخور بذلك، ينتمي صادقي إلى أسرة بسيطة من المزارعين، لكن والديه أدركا أهمية التعليم وحرصا على حصول صادق وأخواته على التعليم الجامعي.
.jpg "صورة رقم 2 - قصة معاناة معلم يمشي ساعات يومياً في الثلوج للوصول للمدرسة مع طلابه")
يقول صادقي فى حواره إنه بعد أن أتم تعليمه الجامعي استطاع الحصول على منحة لاستكمال دراسته فى أستراليا، ولكنه عندما عاد إلى قريته ووجد الأطفال بلا مدرسة أو تعليم، ترك كل شيء من أجلهم ومن أجل تعليمهم. "حاولت التواصل مع أحد المسؤولين لبناء مدرسة ابتدائية تكون قريبة من القرى الثلاث"، حاول صادقي بناء مدرسة لأطفال القرى بدلاً من تلك الرحلة الشاقة للوصول إلى أقرب مدرسة، ولكن تبرع أحد المسؤولين ببعض المال وتحمل صادقي هو وشباب القرية بناء أساس المدرسة. لكن نفدت الأموال ولم يتم استكمال المدرسة التي ينقصها الكثير من الأشياء، "أحاول أن أدبر ما تبقى من أموال لاستكمال تلك المدرسة، ولكن راتبي قليل للغاية". يحصل صادقي على راتب ضعيف يقدر بحوالي 300 دولار كل تسعة أشهر، وفي العطلة الأسبوعية يعمل في الزراعة لكي يتمكن من تدبير الأموال لاستكمال حلمه وبناء المدرسة.
عندما ينهي تلاميذ صادقي مرحلة التعليم الابتدائية، سيكون عليهم الذهاب إلى إحدى المدارس الإعدادية التي تبعد بكثير عن محل إقامتهم، وهذا الأمر يتطلب المزيد من الأموال لتأمين وسيلة مواصلات لهؤلاء الأطفال، ويخشى صادقي من انقطاع الأطفال عن الدراسة لضيق الحال. "أخاف أن يتركوا الدراسة بسبب المال، لذلك أحاول تدريبهم على المشي في تلك الطرق الوعرة، وممارسة الرياضة لتقوية أجسامهم، لا أريد أن يتركوا دراستهم، لابد من المواصلة". وبجانب ذلك يحرص صادقي على أن يعلم الأطفال الشعر والأدب، والقرآن الكريم، فهو مهتم للغاية بتعليم الشعر للأطفال "أريد أن يتعلموا ويكتبوا الشعر، أريد لهم خيالاً افضل من واقعهم".
.jpg "صورة رقم 3 - قصة معاناة معلم يمشي ساعات يومياً في الثلوج للوصول للمدرسة مع طلابه")
يصف صادقي فرحته بانتشار صوره على مواقع التواصل الاجتماعي لكي يتعرف الناس على تلك القرى المحرومة من كل شيء، ولجذب انتباه المسؤولين لتلك القرى، "لا أفكر في أي تعب، فكل حلمي الآن هو استكمال بناء تلك المدرسة، وبناء مدرسة إعدادية أخرى". يرى صادقي أن الله خلق لكل إنسان حياة خاصة به، فهناك مَن خُلق لعيش حياة رغدة، وهناك آخر خلق لحياة صعبة، ولكن كلاهما يجب عليه خدمة الناس لكي يصبح لحياته معنى. "لا أريد أي تكريم أو إشادة بي، أريد فقط أن يتعلم هؤلاء الأطفال، لابد أن ينمو الزهر على سفح الجبل".
تعليقات الزوار | اضف تعليق
.jpg "صورة رقم 4 - قصة معاناة معلم يمشي ساعات يومياً في الثلوج للوصول للمدرسة مع طلابه")
.jpg "صورة رقم 5 - قصة معاناة معلم يمشي ساعات يومياً في الثلوج للوصول للمدرسة مع طلابه")
