spacer
باستخدامك موقع موقع فرفش تكون موافق على سياسة الخصوصية الخاصة بالموقع
spacer
spacer
farfesh Twitter Page
spacer
spacer
spacer
spacer
spacer
spacer
مسلسلات رمضان 2024
spacer
spacer
spacer
spacer
spacer

سميرة تركي: الفن أسلوب للحياة وملاذ أخير للأمل

فرفش - خاص
راسلونا: news@farfeshplus.online

ترسم سميرة تركي نفسها، في الماضي، في رسوماتها الأولى، استعملت الألوان، إلا أنها حاليا لا تستعمل إلا قلم الرصاص، أو الفحم في تنفيذها لرسوماتها، أما الشكل البارز فهو لامرأة وحيدة في مواجهة بحر لجي أو عاصفة. قالت لي حينما التقيت بها لأول مرة، قبل فترة في المركز الثقافي الفرنسي في الناصرة، إنها تحب الرسم وتعتبره متنفسها الأساسي في عالم يكتم الأنفاس، وحينما سألتها عما إذا كانت ترجو أملا من وراء الرسم قالت يكفيني أن اعبر عن نفسي وعما بداخلي من مشاعر وأحاسيس، فعدت اسألها، عما إذا كانت تريد أن تكون مشهورة، فأجابت، بدون تردد، بالنفي القاطع.



ما رايته في عيني سميرة دفعني للتفكير في الكتابة عنها، فهي لا تدعي أنها ترسم للناس، ولا تدعي أنها ترسم للأجيال القامة كما يتشدق بعض هواة الرسم في عالمنا المعاصر، وإنما تعيش اللوحة، غير عابئة بأمر سوى أن ترى نفسها، وان تهرب إلى الفن على اعتبار أنه ملاذ أخير، يمنحها إمكانية أن تجسد حياتها كامرأة عربية تعيش مكانا وزمانا محددين، هما زماننا ومكاننا.

سميرة تركي: الفن أسلوب للحياة وملاذ أخير للأمل

الجدران هناك كانت مغطاة باللوحات، لوحات وفيرة العدد..

عندما أخبرتها بأنني انوي الكتابة عنها، ابتسمت قائلة، مَنْ أنا حتى تكتب عني؟ ما أنا إلا واحدة من نساء كثيرات قسا عليهن الزمن، فلم يجدن سوى الورقة يبثثنها خطوطهن ونبض قلوبهن، أما إذا أردت أن تكتب، بإمكانك أن تكتب عن ابنتي إيمان فهي طالبة فنون، وفنانة لها إنتاجها الخاص بها.

في الطريق إلى بيت سميرة، الكائن في حي الفاخورة، في مدينة الناصرة، راودتني العديد من الهواجس، فماذا سأري هناك؟ وهل سيتأكد إحساسي الأول بأنني أمام فنانة لها فرادتها وشخصيتها، مكانها وموقعها على خارطة الوجود، أم أن ما حصل لا يعدو كونه أضغاث كاتب أراد أن يرى الدنيا بصورة مختلفة؟

ما أن وصلت يوم الأحد، 15-6-2008 إلى بيتها حتى أطلت سميرة من داخل البيت مرحبة، حينما دخلت بيتها المتواضع، لفت نظري، كثرة الصور المعلقة على جداران البيت، أين اللوحات سألتها، فردت قائلة في الداخل، في الغرفة الثانية، طلبت منها أن ادخل إلى تلك الغرفة، فاقتادتني إليها وهي ترسل ابتسامة حافلة بالخفر والحياء.

الجدران هناك كانت مغطاة باللوحات، لوحات وفيرة العدد، هذه اللوحات لي، وتلك لابنتي إيمان، ابنة العشرين عاما، أنا لم أتمكن لأسباب لا مجال لذكرها، من تعلم الرسم، بصورة مهنية، أردت أن تتعلم ابنتي إيمان، وهي تتعلم الفن حاليا في بيت الكاتب، في الناصرة، ابنتي هي الأمل، ما لم استطع تحقيقه والوصول إليه ستصل هي إليه، أريد أن أحقق أحلامي بها.

سميرة تعود بذاكرتها إلى الماضي، قصتي مع الرسم ابتدأت في الطفولة، كنت طالبة متفوقة في موضوعه، حتى أن الفنان الأستاذ طارق شريف، اقترح علي، أيام كنت في الصف السابع، أن أكون واحدة من خمس بنات طالبات يدرسن الفن في حيفا، أبي رحمه الله، رفض، لاعتقاده أنني سأضطر لان أقف مواقف لا يريدها لي. زاد في رفضه حينها، انه كان مطلوب مني أن أسافر إلى مدينة أخرى هي مدينة حيفا، وقال لي أنت ستبقين هنا معي والى جانبي.

بعد أن أنهت سميرة دراستها الابتدائية في مدرسة ابن عامر القائمة في حيها، كان لا بد أن تنتقل إلى مدرسة أخرى، الاختيار وقع على مدرسة راهبات المخلص، في الناصرة، هناك سجلت سميرة تفوقا ملحوظا في موضوع اللغة العربية، حتى أن مدرسة اللغة العربية عطاف عبود، شجعتها على الكتابة وتنبأت لها بمستقبل مبهر في مجالها، بيد أن الرياح جرت بما لم تشته السفن، فكان أن أضربت المدرسة مدة ستة أشهر، ما دفع سميرة للانتقال إلى المدرسة الثانوية البلدية في الناصرة.

هكذا وجدت نفسها تنتقل، من مدرسة بنات إلى مدرسة مختلطة، مُشكلة من البنات والأولاد، هذا الانتقال لم يكن مريحا، ووجدت سميرة صعوبة في التأقلم فيه ومعه، فما كان منها إلا أن اقترحت على ذويها أن يتيحوا الإمكانية لها، لان تتوقف عن الدراسة، فوافق هؤلاء فورا.

حياة سميرة بعد ذلك سارت وفق إيقاع عادي، لا جديد فيها، في عام 1984، عندما بلغ عمرها العقدين من الزمن، تقدم إليها ابن عم لها، طالبا يدها، فوافق أهلها، وارتبطت به، بعد سنوات أنجبت له ثلاثة أبناء، هم نسيم، إيمان وتركي، وأسمت هذا الأخير على اسم والدها، كونه ولد بعد وفاة والدها بفترة وجيزة، أردت أن يبقى اسم والدي بعد رحيله.

ابتداء من بداية سنوات التسعين، شهدت حياة سميرة، جَزرًا فوق طاقة إنسان تحمله، ففي الساعة الثامنة من صباح الأربعاء 10-1-1990، جاء صوت النعي لينقل إليها والى والدتها، نبأ وفاة والدها في المستشفى. بعد وفاة والدها بتسعة أعوام، توفيت والدتها، كان والداي حين رحيل كل منهما عن الحياة، في الثانية والخمسين، تسعة أعوام فصلت بينهما لتوازي في عمرهما الزمني على هذه الأرض.

في عام وفاة والدتها، دخلت حياتها في دوامة لا تريد أن تخوض فيها، لكثرة ما حملته من أحزان، وكانت نتيجة هذه الدوامة أنها انفصلت عن زوجها، لأسباب قاهرة، لتعيش هي وأبناؤها، وأخواتها الثلاث. هؤلاء تزوجن واحدة تلو الأخرى، وبقيت وحيدة لا تفكر إلا بأبنائها وبإعالتها لهم.

سميرة تركي: الفن أسلوب للحياة وملاذ أخير للأمل

عام 1992 كان عاما قاسيا في حياة سميرة..

هواية الرسم عاودت سميرة، بعد وفاة والدها، عام 1990، يومها شعرت بأنني بت إنسانة وحيدة، قبالة بحر ممتد ٍ لا حدود له، فكان أن بادرت إلى رسم ما خطر لي، لو لم التجئ إلى الرسم لقضى علي الأسى، الرسم شكل نوعا من التأسي بالنسبة لي. ترسل سميرة نظرها إلى اللوحة المعلقة في غرفتها الخاصة بها، في بيتها المتواضع، بيت والديها بعد رحيلهما، هي لوحة عزيزة علي ، لو لم ارسمها لم أكن اعرف ماذا كان سيحصل لي، هذه الرسمة أعادت إلي بعضا من توازني المفتقد، رأيت نفسي فيها فارتحت قليلا.

بعدها، قالت سميرة، ابتدأت في تلمس وجهها، ملامحها ووجودها، فباتت ما أن تشعر بالضيق يحيط بها من كل جانب حتى تهرع إلى أدوات الرسم، التي كثيرا ما تكون قلما وورقة، أو فحما وكرتونة، لترسم عليها ما يجول في خاطرها من مشاعر وأحاسيس، بات من الصعب عليها تحملها.

الدافع للرسام لدى سميرة، كما تؤكد، هو مواجهة واقع لا يرحم، واقع حافل بالحدة والتعاسة، لهذا تعتبر سميرة الرسم ملجأ وملاذا أخيرا. المرأة بدموعها، أحلامها بالاستقرار، وقوفها في مواجهة العاصفة، هو البعد الطاغي على كل ما ترسمه، أما ملامح ما ترسمه من نساء، فانه لا يبتعد عنها وعن محيطها القريب منها، الإنسان مهما حاول أن يهرب من نفسه، فانه سيواجهها، بهذا الشكل أو ذاك، أما الثمرة فإنها لا تسقط بعيدا عن شجرة الوجود.

تطلعني سميرة على العشرات من الرسومات، لم أكن اعرف ماذا كان بإمكاني أن افعل لو لم ارسم، أنا لا أريد أن انتحر، لان الانتحار حرام في ديننا، الرسم يشكل ملاذا لي ومفرا، فانا كلما ضاق علي المكان والزمان، إما أن الجأ إلى الرسم، وفي أحيان أخرى الجأ إلى قراءة القران، في بعض الأحيان أتوجه إلى جبل القفزة القريب من حيث أقيم، هناك في الفضاء الرحب، اكتب الخواطر والذكريات، أريد أن يطلع أبنائي على ما عانيته ومررت به من الآم لا يتحملها بشر من اجل أن أربيهم في ظروف عادية ومقبولة.

عام 1992 كان عاما قاسيا في حياة سميرة، فقد ابتدأت تشعر بفداحة خسارتها لوالدها، قبل ذلك العام بسنتين، والدها كان حصنها الواقي، كلما هبت عليها عاصفة تلتجئ إليه، فيربت على كتفها مطمئنا وواعدا بأيام كانت تشك في أنها ستأتي إلا أن كلام والدها كان يؤدي مهمته، فتسكن إلى الطمأنينة والهدوء.

تـُقدم لي سميرة رسمة ً، هذه رسمة ٌ لوالدي، أنت رأيت صورته، ألا تر إلى التشابه بين الصورة والرسمة؟ بلى أجيبها، بل إنني أرى والدك في رسمتك أكثر مما أراه في الصورة الفوتوغرافية، أنت في الرسمة نقلت أحاسيسك، أما الكاميرا فلم تنقل سوى الشكل الخارجي له، رسمك لوالدك قدمه لي أكثر بكثير مما قدمته الصورة الفوتوغرافية، لقد رايته من خلال عينيك أنت ابتنه المحبة.

أقول لها: سميرة، أنت فنانة حقيقية، أريد أن اكتب عنك، أنت تجسدين فيما تمارسينه من رسم، واحدا من أوضاع امرأة عربية لا تعرف كيف تتأقلم مع واقع مر. تصمت سميرة، قلت لك إنني لا أريد أن أكون مشهورة يعرفها الجميع، يكفيني أن ابنتي تتعلم الرسم حاليا، وأنها ستقيم في الأشهر القريبة القادمة، معرضا خاصا بها، يكفيني أنني ارسم ما يجول في خاطري، وأن ما أضعه من خطوط وحركات على الأوراق والكرتون، يريحني.

عبثا أحاول أن اقنع سميرة بأهمية ما تقوم به، فهذا هو شان الفنان الحقيقي في رأيي، يرسم ولا يرجو مقابلا لما يقوم به، وإنما يكتفي بما تعطيه إياه الرسمة واللوحة، خلال إنتاجه لها، أحاول أن احتال على سميرة، أن أقنعها، اطلب منها أن التقط صورة شخصية لها لأنشرها إلى جانب ما سأكتبه عنها، ترفض بشدة، وحينما ألح عليها، طالبا منها أن اكتب عنها، ترسل نظرة آسية نحوي، طيب اكتب أنت ابن حلال، شعرت بهذا منذ اللحظة الأولى للقائنا، اعتقد أننا سنكون صديقين مقربين، لكن إياك أن تطلب مني أن أوافق على التقاط صورة، فهذا من سابع المستحيلات.

spacer
spacer
الاعلانات على مسؤولية اصحابها، ولا يتحمل موقع فرفش أي مسؤولية اتجاهها
spacer