مع تزايد وتيرة الأخبار المبشرة بشأن اللقاح المنتظر ضد فيروس كورونا، على وقع إعلان أكثر من جهة عن اقترابها من إنتاجه، لا تزال منظمة الصحة العالمية، حذرة في التفاؤل بشأن هذا الأمر الذي ينتظره العالم منذ شهور. حذر أكده عليه المدير العام للمنظمة، معلنا أنه لا يتوقع لقاحا فعالا على نطاق واسع "قبل منتصف العام المقبل".
ويبدو ذلك الإعلان مخيبا للآمال نسبيا بعد تزايد التوقعات، والإعلانات، عن توفير اللقاح قبل نهاية العام، لكن ثمة تحديات كثيرة تواجه عملية تصنيع لقاح آمن وفعال، أهمها تلك التي تتعلق بضمان سلامة استخدامه بين البشر. فقد يكون اللقاح فعالا بين الحيوانات، إلا أنه لا يمنع الإصابة بين البشر، كما حصل مع عدد من لقاحات سارس.

بالإضافة إلى ضرورة تمكين اللقاح من توفير حماية طويلة الأمد للأفراد، فكما تبين يمكن لفيروس كورونا أن يصيب نفس الشخص بعد مرور بضعة شهور على الإصابة الأولى. أحد أهم التحديات الأخرى التي تواجه لقاح كورونا، تتمثل في إمكانية حماية الأشخاص من الفئات العمرية الأكبر، وهي الفئات الأضعف في مواجهة الفيروس وهي في العادة ، الفئات الأقل استجابة للقاحات.
وحتى يثبت اللقاح فعاليته وأمانه عليه أن يجتاز مرحلة اختباره على الحيوانات أولا، وهي اختبارات تتبع إرشادات مختبرية صارمة وغاليا ما تستغرق بين ثلاثة وستة شهور. وبعدها تبدأ مرحلة الاختبارات السريرية وهي على 3 مراحل، حيث تخصص المرحلة الأولى لتقييم مدى سلامة اللقاح من حيث استخدامه بين البشر.

وخلال المرحلة الثانية يجري إقرار تركيبة اللقاح وجرعاته من أجل التأكد من فاعليته. أما المرحلة الثالثة فينبغي خلالها التأكد من سلامة وفاعلية اللقاح على مجموعة أكبر من الأفراد. خطوات تقترب مختبرات عالمية من إنجازها في معركتها مع فيروس كورونا، فهناك اليوم 9 لقاحات حول العالم قد دخلت المرحلة الأخيرة من الاختبار، فيما يبقى العالم قيد الانتظار.

أما أبرز اللقاحات التي يتم العمل عليها حاليا فنستعرضها كما يلي:
1. اللقاح الروسي.. يقول باحثون إن "سبوتنيك-في" يعطي نتائج أولية مشجعة.. وقد صنع استجابة مناعية ولم يخلف آثارا جانبية.
2. اللقاح الصيني.. "سينوفارم" سيكون جاهزا للاستخدام العام بحلول نهاية 2020 بحسب تصريحات للشركة، وسيكون متاحا بتكلفة 144 دولار للجرعتين.

3. لقاح سانوفي الفرنسية.. تكلفة جرعة اللقاح المحتمل أقل من 10 يورو.
4. اللقاح في الولايات المتحدة.. شركة مودرنا قامت بتسعير لقاحها التجريبي بـ37 دولارا للجرعة. شركة فايزر وشريكها بيو إن تيتك تحدثت عن كميات كافية لتحصين 50 مليون أميركي.

يقول الدكتور بول أوفيت، مدير مركز اللقاحات في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا إنه حتى بعد نشر لقاح فيروس كورونا ، سنظل بحاجة إلى اتخاذ تدابير صحية لفترة طويلة، مثل ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي وعلى الأقل لمدة عام الى عام ونصف بعد ذلك.
كوارث اللقاحات السابقة تظهر سبب "غباء" التعجيل بلقاح فيروس كورونا
وحتى تتم الموافقة على لقاح من قبل إدارة الغذاء والدواء، يجب على العلماء جمع بيانات كافية من خلال التجارب السريرية بأعداد كبيرة من المتطوعين لإثبات أنه آمن وفعال في حماية الناس من المرض. وبمجرد جمع البيانات، عادةً ما يقضي مستشارو إدارة الغذاء والدواء الأمريكية شهوراً في التفكير في منح الموافقة.

ويعد منح ترخيص الاستخدام الطارئ عملية أسرع بكثير، وقد حدثت مرة واحدة فقط من قبل عندما أعطت إدارة الغذاء والدواء لقاحاً بهذه الموافقة الأقل قياسية على الاستخدام الطارئ، ولكنها كانت في ظروف غير عادية. وحينها رفع الجنود دعوى قضائية، زاعمين أن لقاح الجمرة الخبيثة الإلزامي جعلهم مرضى، وأوقف القاضي برنامج اللقاح.
وطلبت وزارة الدفاع ترخيصاً طارئاً تجاوز بعد ذلك حكم المحكمة في عام 2005، حتى تتمكن من مواصلة إعطاء اللقاح للأفراد العسكريين، على أساس تطوعي. وخلافاً لذلك، يجب أن تمر اللقاحات خلال عملية التجربة السريرية بأكملها وعملية موافقة إدارة الغذاء والدواء، والتي قد تستغرق شهوراً أو سنوات.

وفي 12 أبريل/نيسان عام 1955، أعلنت الحكومة الأمريكية عن أول لقاح لحماية الأطفال من شلل الأطفال. وفي غضون أيام، أصدرت المعامل آلاف من جرعات اللقاح. واحتوت دفعات من إنتاج شركة واحدة "Cutter Labs"، عن طريق الخطأ على فيروس شلل الأطفال الحي، ما تسبب في تفشي المرض.
وحصل أكثر من 200 ألف طفل على لقاح شلل الأطفال، ولكن في غضون أيام اضطرت الحكومة الأمريكية إلى التخلي عن البرنامج. وقال الدكتور هوارد ماركيل، طبيب الأطفال ومدير مركز تاريخ الطب في جامعة ميشيغان، إن أربعين ألف طفل أصيبوا بمرض شلل الأطفال، وكان لدى بعضهم مستويات منخفضة من المرض، وأصيب بضع مئات بالشلل، وتوفي منهم حوالي 10.

وعل قت الحكومة برنامج التطعيم حتى تتمكن من تحديد الخطأ الذي حدث. ومع ذلك، فشلت الرقابة المتزايدة في اكتشاف مشكلة أخرى مع لقاح شلل الأطفال. ومن عام 1955 حتى عام 1963، كان ما بين نسبة 10% و30% من لقاحات شلل الأطفال ملوثة بالفيروس القردي 40، "SV40".
وقال عالم الأنثروبولوجيا الطبية لوشلان جين إن الطريقة التي استعملوها لزراعة فيروس اللقاح كانت على أنسجة القرود. وتم استيراد عشرات الآلاف من قرود المكاك الريسوسية من الهند. وأضاف جين، الذي در س تاريخ دورة اللقاحات في ستانفورد، إن القرود كانت محبوسة معاً في أقفاص، وفي هذه الظروف أصيب العديد منها بالمرض وانتشرت الفيروسات بسرعة.

واعتقد العلماء خطأً أن مادة "الفورمالديهايد" التي استخدموها ستقتل الفيروس. وقال جين "لقد تم نقل العدوى إلى ملايين الأمريكيين". ويعتقد الكثيرون أن هذه القضية لم تتم متابعتها بشكل كافٍ، "وأظهرت بعض الدراسات وجود صلة محتملة بين الفيروس والسرطان. ومع ذلك، قال موقع المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض، إن معظم الدراسات "مطمئنة "ولا تجد أي رابط.
ولا توجد لقاحات حالية تحتوي على فيروس "SV40"، بحسب ما ذكرته مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، ولا يوجد دليل على أن التلوث أضر بأي شخص. وقال ماركيل إن عدم ثقة الناس في النظام يجعل من فكرة إدارة الغذاء والدواء في تسريع عملية الموافقة على اللقاح قبل أن تكتمل التجارب السريرية في المراحل المتأخرة "غبية للغاية".

وقال ماركيل: "كل ما يتطلبه الأمر هو أحد الآثار الجانبية السيئة لفشل برنامج لقاح نحتاجه بشدة ضد هذا الفيروس" مضيفاً أن الأمر أشبه بوصفة طبية لكارثة. وأكد مفوض إدارة الغذاء والدواء هان إن قرار اللقاح سوف يستند إلى البيانات وليس السياسة، لكن كينش يشارك ماركيل قلقه. وقال كينش، وهو مريض يشارك في إحدى تجارب اللقاح، إن عملية التجربة السريرية يجب اتباعها حتى النهاية. وقد يؤدي الاستخدام الطارئ المبكر للقاح ما إلى "سيناريو مرعب" لعدة أسباب.
أولاً، قد لا يكون اللقاح آمناً، وثانياً، إذا لم تكن اللقاحات آمنة، سيفقد الناس الثقة في اللقاحات، وثالثاً، إذا كان اللقاح لا يوفر حماية كاملة، فسيكون لدى الناس شعوراً زائفاً بالأمان ويزيد بالتالي من المخاطر. ورابعاً، إذا حصل لقاح دون المستوى على ترخيص استخدام طارئ، فقد لا يحصل اللقاح الأفضل على الموافقة أبداً، لأن الناس سيترددون في التسجيل للمشاركة في التجارب ويخاطرون بالحصول على دواء وهمي بدلاً من اللقاح. وأضاف كينش :"سيموت الناس دون داع إذا جازفنا بذلك، لذا علينا أن نعي هذا بشكل صحيح".

تعليقات الزوار | اضف تعليق